يحتاج الطفل خلال مراحله التعليمية إلى تزويد الطفل بنصوص أدبية تكون سلسة من حيث السرد والوصف، ومعقدة من حيث الصورة البلاغية، حيث تساهم هذه الازدواجية في إكساب الطفل موهبة التعبير وسمة التعبير. الخيال، مما يؤدي إلى بناءات نصية جديدة تعتمد على النصوص الأساسية التي يحتفظ بها في ذاكرته.
ومن المناسب للمعلم في هذا الصدد أن يختار لتلميذه نماذج نصية مشوبة بالألوان، تكون في صورة: تشبيهات، وروايات مكثفة، وحوارات مختصرة، مع مراعاة المرحلة العمرية له وصقل تجاربه اللغوية مع أساليب أسلوبية تحفزه على الإتيان بأشكال متشابهة ومتماثلة تمنحه طاقة التفاعل، يستطيع من خلالها تناول النصوص الأدبية دون ملل أو غربة، خاصة في عصر مزدحم بالمشتتات.
إن تزويد الأدب بالألوان المتدرجة من شأنه أن يضيف خيارات جديدة للطفل في استخدام التعديلات المعجمية والتركيبات الصرفية التي تتوافق مع كل سياق لغوي يفرضه التواصل التعبيري، دون الوقوع في فخ التكرار. للألوان وظائف ثقافية وفنية ونفسية، تساهم في تطوير كفاءته الإنتاجية والتعرف على ميوله الفكرية في سن مبكرة. على سبيل المثال لا الحصر، إذا عرضنا هذه العبارة المختصرة على عينة من الأطفال: قام عمال القصر بوضع السجاد الأحمر على الأرض، استعداداً لاستقبال الوفود الأجنبية.
ولا مفر من أن ترتبط أبعاد الصورة بكيفية ظهور اللون الأحمر وتصويره ضمن المحتوى اللغوي، حيث قد يفهمها الطفل على أنها إشارة إلى الحب والسلام الذي يحيط بالبلد وتقدير الضيف القادم من الخارج. في حين يفهمها طفل آخر على أنها علامة العظمة والتبجيل، إذ لا يُستقبل إلا الرؤساء والوزراء على أسرة مسطحة حمراء.
استخدام اللون في الاستعارات البلاغية يسمح للطفل بتحسين حالته المزاجية وعلاجه من بعض الأمراض النفسية المستعصية. لذلك ينصح بخلط الجوانب النصية مع صيغ الألوان لإغراء الطفل ودعمه بوسائل نفسية دفاعية، وكأننا نروي له قصة يغلب عليها اللون الأزرق: اشترى والد وسيم مسدسا أزرق مائي، فكان لديه قائمة ألعاب من لون واحد: كرة بلورية زرقاء، قارب خشبي أزرق، مصباح بضوء أزرق وحتى أحلامه أصبحت زرقاء.
ولعل الإصرار على تهذيب اللون الأزرق هو موقف لغوي متعمد استنادا إلى دراسة أمريكية أجريت عام 1932، والتي توصلت إلى أهمية اللون الأزرق في تهدئة الطفل ومنحه الشعور بالأمان.
ومن المستحسن أن يستمع الطفل إلى أجزاء القصة بما فيها الألوان، حتى يتمكن من تعزيز مخيلته من خلال استرجاع الصورة البلاغية وبرمجتها ومن ثم إعادة تدويرها. والأساس الذي يعتمد عليه الطفل للحفاظ على استدامة هذه العملية المعقدة هو اللون باعتباره حلقة وصل فعالة ولا غنى عنها.
إذا روى المعلم لتلاميذه المثل العربي الشهير الذي يقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض، فعليه في هذه الحالة أن يراجع القصة بتفاصيلها، ليتضح المعنى الحقيقي، وهو الشعور بالخجل والخيانة بسبب إهمال الأصدقاء. والأهم من ذلك أنه لفهم أعماق المعنى لا بد من تتبع اللون في مشهد القصة، فهو المفتاح الأساسي لتحقيق هدفه المنشود.
كان هناك تحالف ثلاثي في الغابة (الثور الأبيض، الثور الأحمر، والثور الأسود) برز كقوة ردع للأسد. ثم فكرت الأخيرة، حفاظاً على ملكيتها، في تشتيت التحالف بدعوى أن اللون عيب جسدي يجلب الخطر.
وأبلغت الثور الأحمر والأسود بخبر يفيد أن لا شيء يرشدنا نحونا في غابتنا إلا الثور الأبيض ولوني مثل لونك. ثم انخدع الثوران بهذه الحيلة فسمحا للأسد أن يلتهم الثور الأبيض. كرر الأسد العملية وقال للثور الأحمر إن لوني مثل لونك فهل ألتهم الثور الأسود؟ ثم أعجبته الفكرة وأمر الأسد أن يأكل الثور الأسود. وأخيرا أصبح الثور الأحمر وحيدا وأصبح فريسة سهلة للأسد وعندما أوشك على أكله قال المثل الشهير: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.
وفي الختام فإن استراتيجية التعليم الفعالة تفرض تضمين الألوان ومزجها في الأدب لتعزيز خيال الطفل نحو الابتكار والتجسيد.
