inner-banner

المقالات

المقالات

لماذا بولونيا؟ تأملات ناشرة عربية بعد المشاركة في معرض بولونيا الدولي لكتاب الطفل 2025

author
بقلم: أمينة العلوي الهاشمي رئيسة لجنة التطوير المهني

في كل ربيع، تتحوّل مدينة بولونيا الإيطالية إلى قبلة عالمية لصناعة كتب الأطفال، حيث ينبض قلب النشر الإبداعي بأقوى إيقاعاته. وبالنسبة لأي ناشر متخصص في هذا المجال، فإن حضور هذا المعرض لا يُعدّ مجرد خيار، بل هو ضرورة استراتيجية تُمكّنه من فهم خريطة النشر العالمي، وبناء علاقات مهنية فاعلة، واستشراف توجهات السوق المستقبلية.

وقد سعدتُ هذا العام بتمثيل "الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال" في هذه الفعالية الدولية، التي نُظّمت في الفترة الممتدة من 31 مارس إلى 3 أبريل 2025.
ولم تكن هذه المشاركة الأولى لي، إذ حرصت على الحضور لهذا المعرض في دورات متعددة خلال السنوات الماضية، وفي كل مرة، أكتشف جديدًا في التوجهات، والرؤى، والتجارب الدولية.
ويسعدني أن أشارككم هنا بعضًا من التأملات والانطباعات، والتي أراها ذات قيمة لكل ناشر عربي يطمح إلى الانفتاح على الأسواق العالمية.

 

فلماذا بولونيا تحديدًا؟

لأنه أعرق وأكبر معرض عالمي مخصص لأدب الطفل، يُنظَّم سنويًا في إيطاليا منذ عام 1964.

لأنه ملتقى مهني شامل، يجمع أبرز الفاعلين في مجال كتب الأطفال: ناشرين، رسامين، مترجمين، ووكلاء أدبيين.

لأنه سوق حقيقية للحقوق، تُبرم فيه مئات الاتفاقيات سنويًا بين دور النشر من مختلف أنحاء العالم.

لأنه نافذة للاطلاع على أبرز التجارب العالمية، وفرصة لرؤية ما يُحدِث الفرق في مجال نشر كتب الأطفال.

أوّلًا: الاستعداد أساس النجاح

لا يمكن المشاركة في معرض بولونيا دون إعداد مسبق. يجب أولًا أن نعرف ما هو هذا المعرض، وأن ندرس جيدًا كل الفرص التي يتيحها. من بين أهم خطوات التحضير:

إعداد كتالوج باللغة الإنجليزية يُعرّف بدار النشر، رؤيتها، خطها التحريري، وفلسفتها.

اختيار عدد من العناوين وترجمة ملخصاتها إلى الإنجليزية، مع ذكر اسم المؤلف والرسام، مع الحرص على انتقاء هذه العناوين بعناية، بدءًا من الأقوى والأكثر تميزًا، وكأننا نرشحها لنيل جائزة.

تسجيل الكتالوج على المنصة الرقمية للمعرض، ما يتيح للناشرين الدوليين الاطلاع عليه، كما يمكنك أنت الاطلاع على كتالوجاتهم.

طلب مواعيد مهنية بناءً على اهتماماتك، وقد يتطلب الأمر عشرات الطلبات للحصول على عدد محدود من اللقاءات.

هذه المواعيد ليست مجرد مجاملات، بل هي نواة لشبكة علاقات قد تُثمر مستقبلًا عن بيع وشراء حقوق أو شراكات تعاون. ويمكن للناشر القيام بذلك بنفسه أو عبر وكالات أدبية متخصصة.

الحضور العربي... نحو بروز أوضح

 

بدأ العالم العربي في ترسيخ حضوره المهني والثقافي في معرض بولونيا لكتاب الطفل، خصوصًا من خلال مبادرات رائدة مثل "الملتقى العربي لناشري كتب الأطفال"، و"المجلس الإماراتي لكتب اليافعين"، و"PublisHer"، إلى جانب جهود فردية و جماعية من دور نشر مستقلة وناشرات عربيات فاعلات.

وقد أضحى هذا الحضور أكثر وضوحًا وتنظيمًا خلال الدورات الأخيرة، من خلال الأجنحة المخصصة التي تقدم إصدارات متميزة، وتوزع كتالوجات تعريفية، وتنظم لقاءات مهنية تعزز الحوار والتبادل مع ناشرين من مختلف أنحاء العالم.

ومن أبرز ما يلفت الانتباه، أن مجموعة من الأسماء العربية بدأت تحظى باعتراف دولي متزايد، من خلال تتويج أعمالها بجوائز مرموقة، أو اختيارها ضمن قوائم مشرفة، مثل:

جائزة أفضل كتاب مصوّر من آسيا وإفريقيا،

أو قائمة BOP – أفضل ناشر كتب أطفال في كل قارة،

 

حيث شهدنا تكريم دور نشر عربية وإفريقية، وظهور أسماء عربية في قوائم الترشيح النهائية، مما يعكس تطور جودة المحتوى العربي واندماجه في المشهد العالمي.


وقد أصبحت مبادرة PublisHer، في وقت وجيز، من أهم المواعيد التي لا يمكن لأي محترف في صناعة النشر أن يتجاوزها؛ فهي تجذب المهنيين الدوليين الذين يقصدونها خصيصًا للاطلاع والتعلّم من خلال ندوات عالية الجودة، يقدمها أفضل الفاعلين والخبراء في عالم الكتاب والنشر.

ومن أبرز المحطات في دورة 2025، تكريم الشيخة بدور القاسمي، بجائزة بولونيا العالمية عن كتاب الأطفال "بيت الحكمة "، وهو تتويج لمسارها الريادي في تعزيز ثقافة الطفل والنهوض بصناعة النشر عربيًا ودوليًا. وقد ألقى هذا التكريم الضوء على الدور المتصاعد الذي تلعبه القيادات النسائية العربية في المشهد الثقافي العالمي، خصوصًا في مجال نشر كتاب الطفل.

ما بعد المواعيد: التعلم والاطلاع

يقدّم معرض بولونيا الدولي لكتاب الطفل فرصة استثنائية للناشرين لمتابعة أحدث الاتجاهات العالمية في مجال نشر كتب الأطفال. من خلال المعارض الفنية، وخصوصًا معرض الرسامين، والندوات المتخصصة، والمقاهي المخصصة للمترجمين، وغيرها من الفعاليات المهنية، يستطيع الناشر أن يقارن إنتاجه بالمعايير الدولية، ويطّلع على مستوى الجودة المطلوبة، ويكتسب أفكارًا جديدة لتطوير رؤيته ومحتواه

الذهاب إلى بولونيا هو بمثابة مواجهة مع الذات: مناسبة لتأمل تجربتنا المهنية، واختبار معارفنا، ومقارنة ما ننتجه بما يقدّمه العالم من جودة وجمال. إنه حافز كبير، يدفعنا نحو الأفضل.

بعد سنوات عديدة من المشاركة في هذا المعرض، شعرت أن هذه الدورة كانت مختلفة تمامًا. للمرة الأولى، بدا لي وكأنني أواجه "هواءً جديدًا" يهبّ على عالم نشر كتب الأطفال. هواء يحمل معه رؤية مبتكرة، مفتوحة على المستقبل، ويعلن ولادة جيل جديد من الكتب والأفكار والتصورات.

هواء أودّ أن أتبعه، بل أن أسبقه، وأسهم في تشكيله.
لكنني، في الوقت نفسه، لا أدري إن كنتُ قادرة على اللحاق بهذا العالم الجديد... عالم تهيمن عليه الذكاء الاصطناعي، وأجد نفسي أحيانًا عالقة فيه، مترددة بين الحماس والخوف، بين الأمل والحذر.

ومع ذلك، فإن كل أملي يبقى معقودًا على الجيل الجديد.

دروس مستخلصة: من أجل جودة تليق بمكتبات العالم

إذا أردنا لكتب الأطفال العربية أن تجد مكانًا لها في مكتبات العالم، علينا أن نستثمر أكثر في جودة المضمون والإخراج الفني، وأن نخطط لحضور فعّال مدروس مسبقًا، يتضمن برنامجًا واضحًا نرسله قبل المعرض ليُدمج رسميًا ضمن جدول فعالياته.

المشاركة في بولونيا ليست فقط لعرض الكتب، بل هي دفاع عن رؤيتنا للطفولة، واحتفاء بخيالنا الجمعي، ورسالة تقول للعالم: لدينا ما يستحق أن يُروى، وما يستحق أن يُقرأ عالميًا.

 

bg-element

المقالات

مقالات ذات صلة

عرض الكل
المقالات
news-card

- تشجيع القراءة من أجل مجتمع قارئ

لطالما كانت القراءة منذ القدم من أهم وسائل التعلم الإنساني لاكتساب المعرفة ومهارات تطوير الذات وتعميق الخبرات. ولطالما ك

author
الباحث / السيد زبير مهداد – المغرب
اقرأ أكثر
news-card

بلاغة الألوان وأثرها في إثراء خيال الطفل

يحتاج الطفل خلال مراحله التعليمية إلى تزويد الطفل بنصوص أدبية تكون سلسة من حيث السرد والوصف، ومعقدة من حيث الصورة البلاغ

author
السيد معطى الله محمد الأمين - كاتب جزائري
اقرأ أكثر
news-card

المانجا اليابانية وأدب الأطفال

"المحقق كونان" هي واحدة من أشهر قصصها المعروفة عالمياً وعربياً، وقد صدر منها ما يقارب 100 مجلد. وتتميز بأحداثها وحبكها ا

author
السيدة شاهيناز العقباوي
اقرأ أكثر