ومن الصعب فصل الأخلاق عن الأدب، فكلاهما يسير على نفس الطريق. منذ بداية الأدب بمختلف أشكاله، كان من الواضح والواضح أن تعزيز الأخلاق يأتي على رأس قائمة أولويات الأدب وأهدافه، فالأدب يهدف إلى دعم وتعزيز كل ما يُعلي الأخلاق. تحرص الغالبية العظمى من مؤلفي الأدب على أن تكون أعمالهم داعمة لكافة قواعد التربية الأخلاقية في المجتمعات المختلفة والمتنوعة على مر العصور. وفي الواقع أن هناك من خرج عن هذه القاعدة، لكن الغالبية العظمى منهم يأخذون المبادئ الأخلاقية بعين الاعتبار خلال مراحل إبداعهم المختلفة إذا كان هذا هو حال الأدب في شكله العام والعامة الذي يخاطب جميع الفئات، الثقافات والأجناس.
وماذا عن أدب الأطفال الذي يقوم أساساً على مبدأ أخلاقي ويهتم ويعزز ويسعى ويدعم كل ما يتعلق بتربية أخلاق الطفل والتزكية بها وتنميتها بطريقة سلسة وبسيطة وسهلة وطبيعية بعيداً عن المبالغة والاعتماد على الأخلاق. منهج التوجيه والتعليم ؟
يعتمد أدب الأطفال على لغة بسيطة ومعبرة تستخدم كلمات ومصطلحات شائعة، ولكن يتم اختيارها بطريقة سليمة تكمل هدفه الأساسي وهو التوصية بالأخلاق. في الواقع لا يوجد ميثاق يجبر مبدعي أدب الأطفال على الالتزام بالأخلاق في الأعمال الإبداعية التي يقدمونها ويقدمونها، بل الأمر برمته يتعلق بالنقد لكل ما تقدمه مثل هذه الأدبيات إذا تجاوزت الحدود الأخلاقية وتجاوزت. قواعد الالتزام واللياقة.
يعتبر المحتوى الذي يقدمه المبدع هو العنصر المعنوي الذي يمثل العمود الفقري له الذي يعتمد عليه والأساس الثابت الذي يهتم به أثناء بناء كافة عناصر قصته، بدءاً من اعتماده على الشخصيات والأبطال التي بالضرورة وبشكل أساسي إظهار السلوك الصحيح الذي يتوافق مع مبادئ المجتمع. بالإضافة إلى أن أحداث قصته يجب أن تتوافق مع تسلسل طبيعي تدريجي متسق ومتوافق مع مبادئ الحياة ولا يخرج عن الجوانب العادية. وحتى عندما يطلق المبدع العنان لخياله ويطير بعيدا عن الواقع، فإنه يرتبط بشكل أساسي بالعديد من القواعد الأخلاقية الثابتة ويصعب عليه أن يحيد عنها أو يتجاوزها.
يتميز أدب الأطفال بأنه الأدب الوحيد الذي يتشارك فيه جميع مبدعيه في العالم، على الرغم من اختلاف ثقافاتهم، في التزامهم الأخلاقي على الرغم من تباين أشكال الالتزام وتدريجيته، ولكن بشكل عام من النادر أن يحدث تجاوز، لأن كل ذلك فيدركون أن قصصهم ورواياتهم وحتى أشعارهم الموجهة للطفل ما هي إلا قواعد وأسس تدعم الأسرة والمجتمع في بناء أجيال قوية محترمة أخلاقيا.
إن المصطلحات الأخلاقية التي يتبناها أدب الأطفال متنوعة. يتحلى مبدع الأدب أحيانا بإحدى الصفات الحميدة مثل الإخلاص والصدق والشجاعة والإيثار والتعاون وغيرها، ولا يعلن صراحة تبنيه لمبدأ أخلاقي يدافع عنه ويقدمه من خلال أحداث قصته، ولكن هذا ويتجلى ذلك من خلال اللغة المستخدمة والحبكة التي يعتمد عليها في تسلسل الأحداث حتى يصل إلى نتيجة مرضية وعقلانية، يرفع من خلالها إحدى القيم الأخلاقية، حتى لو لم يظهر ذلك صراحة.
في كثير من الأحيان لا يكتفي المؤلف بتقديم مبدأ أخلاقي واحد من خلال قصته، إذ يحاول بعضهم إظهار مجموعة شاملة وكاملة من المواقف التي تدعم إحدى القواعد الأخلاقية العامة أو السائدة في البيئة، والتي ينتمي الخالق. حتى أن المؤلف يسعى إلى التخلص من الصفات السيئة بطريقة عرض سهلة ورائعة.
مر أدب الأطفال عبر تاريخه الطويل بمراحل عديدة من التطور وتأثر بالمواقف الزمنية والأحداث المختلفة. واختلف شكل وطرق التعبير وطرق السرد ونوع الحبكة وأسلوب الكتابة والعرض، لكن جميعها لم تؤثر بأي شكل من الأشكال على عمودها الفقري وهدفها الرئيسي وهو التوصية بالأخلاق والارتقاء بها، فالأخلاق هي ولا يزال الجانب المهيمن والمسيطر في فكر وموقف وهدف جميع مبدعي أدب الأطفال.
* مصر _ كاتب
Shah_anp2000@yahoo.com